عند مدخل السياج عارضة حديدية تتحرك نزولا و صعود مثل ( أشيلال) . بمجرد أن لاحظ سيارتنا المزركشة بشعار ( الموريتانية ) ترك الحارس و عمله و هرول نحونا مستقبلا ، هاشا باشا و غير عابيء بالإنسداد المروري الذي تسبب فيه
ورائه.
"
و خيرت التلفزة" هتف الرجل . استقبلته نازلا من السيارة بعد أن طلبت من المصور أن يفتح المكرو اللاسلكي المعلق خفية فى قميصي. و هذه هي طريقتي فى العمل اسجل كل شيء و بعد ذلك اقرر مايصلح للبث. أكره أن أفوت ( اللقطات الحية ) لست أبالغ إذا قلت لو أن زلزلا ضرب فى ذلك الوقت و الكاميرا على غير و ضعية التسجيل لذهلت عن الاحداث من شدة أسفي على تفويت الصور . لقد قطعنا مئات الكيلومترات . لم نأت من أجل السياحة، و لا من أجل التنقيب. آلة التصوير الثقيلة فوق كتف ( صلاح) تجعله أبعدنا عن مزاج السياحة . و لكنه ليس في مزاج سيء وهذا يكفي، مصورنا هو عيوننا التى لا نرى شيئا بدونها ، لذلك نسهر على راحته ، نفعل مايقول لنا ، بل و نتعاون على امداده بقنية أو نشعل له سيجارة إذا طلب . المهم أن لا نفسد عليه لحظات الالهام المقدسة.
أخبرت الحارس أن لدينا موعدا مع مدير المنشأة. فأبدى استعداده ليرافقني الى مكتب المدير ، لا حظت انه ترك عمله و تسبب فى زحمة عند الباب و لكن لم أمام حماسه لم اعترض. فى الطريق اخبرني انه مجرد عامل متعاون فى الوزارة و يريد الاكتتاب و....قلت له انني انا الآخر مجرد متعاون رغم أني اقود البعثة ، ثم نبهته الى الميكرو يسجل فى الكاميرا عند المصور حنى لا يسترسل فى الحديث . عند هذه النقطة توقف و عاد ادراجه بعد ان اشار الى بناية بعيدة على يمين المدخل " تلك مكاتب الادارة ....اطلب من المصور أن يأخذ مني لقطة "
طلبت من المصور عبر اللاسلكي أنا لا يفعل. فليست ملابس الرجل أولا مناسبة ، فقد حشر نفسه فى ماتيسر من قماش اغبر و حشر قدميه فى جوارب سميكة تظهر من نعله المخصص للحمام . لدينا تعليمات باظهار المصالح الحكومية بمظهر جيد، و هذه الاخيرة لا نشجع على ذلك.
فى طريقنا الى مكتب المدير كنا نلفت انتباه هؤلاء الملثمين.
" اطرحو مشاكل المواطنين هنا " ....هتف بنا احدهم ..." ستقولون ان كل شيء على ما يرام قال أحدهم ساخرا. اعترضني اشخاص بعضهم راجل و بعضهم فى سيارة " ماهو موضوع البرنامج ؟" استوقفني سائق و هو يطل من سيارته ، و قبل أن ارد عليه جاء ثان و ثالث و رابع بعد دقائق اختفى المصور فى الزحمة و كنت أجيب بكلمة واحدة أكررها : الذهب ..الذهب !
أين المصور ، انه فوق السيارة . حركة ذكية . الآن يمكنني ان اتحرك بحرية دون أن أخرج عن مجال رؤيته ( عدسته ).
أخذت قرارا ارتجاليا : يجب أن أؤجل مقابلة ( المسؤول ) الى حين افرغ من الاستماع الى مشاكل هؤلاء الرجال داخل السياج . الاستماع الى هؤلاء أولا سيجعل اسئلتي للمسؤول أكثر و ضوحا . هناك اكثر من طريقة و لكنني كنت اعمل فى مساحة زمنية ضيقة بعد اقل من اربع و عشرين ساعة يجب ان يكتمل الفيلم و يكون جاهزا للبث!
أخذت انظم المزدحمين حول الميكرو فى يدي ، و اعلنت فيهم أننا سنجري مقابلة مع اي واحد يرغب فى الكلام. و لكن لابد من التزام الهدوء حتى نتمكن من التسجيل و أداء عملنا.
لعلها من اللحظات النادرة التى تنفذ فيها أوامري ( أنا المخلوق الضعيف ) بدون اعتراض ، و كانني قائد أو مدير أو شيء من ذلك . الكل يريد كلمة أو لقطة من نفسه على الشاشة. لذلك انساقوا لتعليماتي بيسر و سهولة ، و بعضهم ابدى حماسه و أخذ ينظم معي و يهش على المشوشين. فهمت من تهافت المنقبين علينا كثرة المطالب والمشاكل الذين يريدون إيصالها.
و فهمت من سؤال البعض إن كان تقريرا على نشرة الاخبار أنهم تعودوا على فريق الاخبار الذي يرافق الزيارات الرسمية .
و حاول البعض أخذي فى أحاديث جانبية.
ينقسم رواد السياج الى عدة فئات حسب التخصص:
هناك الناقلون و باعة الحجارة و يملكون مناجم صغيرة فى صحاري تازيازت المجاورو و تسمى (الحسيان) و تتراوح نسبة الذهب فيها و هناك العمال اليدويين الذي يستأجرون بنسبة معلومة و هناك ملاك المطاحن القاطنبن هنا فى السياج و قد خطط السياج لأجل هؤلاء و قسمت عليهم قطع ارضية . و يتراوح هؤلاء بين كبار المستثمرين الى صغارهم. بعد عملية الطحن تبدأ عملية التذيب فالصقل و لكل مهمة هنا رجالها.
ثمة ممثلية للبنك المركزي داخل السياج لمن يريد البيع و لكن هناك ايضا سوق اسود فى مدينة لا أحد يحب الحديث عنه كما لاحظت، و سأعود لذلك لاحقا .
فى الحلقة القادمة القادمة سنتحدث عن مشاكل المنقبين و العاملين فى المجال و هو مجال أوسع من التنقيب و إن كان يرتكز عليه.
محمد الأمين ولد عبد الله
يتواصل